Log-in
Search

الإيروس في تحولاته: من عصر الحب إلى عصر الاستهلاك 2

Posted on May 13, 2014 by Tadween Editors | 0 comments



أعتقد، أن هذه اللغة الرمزية نتاج عملية التكيّف التي طرأت على الفرد، وجعلته يراعي الجو العام أو الأنا الأعلى بالمزيد من الرموز والأقنعة، التي هي طبقات متراكمة، تنطوي فيها الثقافة اللاشعورية، أو المكبوتة! هذا على مستوى الأفراد. أما الجماعات، فالأقنعة تتمظهر في الأعراس، والاحتفالات، والطقوس، والأعياد، والأحزان أيضاً، كإشارات أولية إلى الكبت المتوارث. حتى فترة قريبة، كانت قرى الساحل السوري، تحيي سنوياً، في مطلع الربيع، عيداً كرنفالياً (دينوسيوسياً) أعتقد أنه امتداد للاحتفالات الأورفيّة التي عرفتها المنطقة منذ القدم، وهو من الاختراقات القديمة ( ما قبل الإبراهيمية) يسفح فيه الخمر، واللعب والرقص، و السكر، والمجون، والوجه الظاهر له، إنه عيد حب، وتعارف ، وتواصل، وتزاوج، وإنجاب. ولهذا الوجه بالذات، اكتسب هذا الطقس الوثني، بعداً دينياً! والدين ابن بار لثقافة الموت، وهو الحارس الأمين للمحرمات، والسلطة شرطتها الصارمة! فالجسد في نظر دعاة الزهد وفلسفة البؤس، سجن نتن مآله إلى الدود! وفي هذا السياق، يقول رجل دين هندي لأتباعه من الشبان: "تذكروا دائماً أن المرأة مجرد دم، وماء، وغضاريف"!
أما محبو الحياة من الدينيين، فالمرأة حرث لزوجها، يبذر فيها! والمال والبنون زينة!
في كثير من مجالس العزاء الإسلامية، تتلى سورة يوسف، أو يستمع إليها مسجلة، ويتم التعليق بانبهار على العفّة وكيد النساء! ولا أدري، أهي تعويذة ضد الموت! أم ضد الغرائز؟!
أما الجسد في نظر السلطة، فهو هدية للوطن في السلم والحرب! وعند الرأسمالي للاستثمار في العمل والاستهلاك! ويتواطأ الجميع من أجل إعداد الإنسان ليكون صالحاً في الدنيا والآخرة، أن يتعبد، ويعمل، ويبني العائلة المقدسة! المطلوب دائماً، أن يكون الإنسان متعففاً، يزدري طبيعته، ويدوس على أشواقه! وأن يحب الله، والناس وأولي الأمر! هذا هو الإنسان الخيّر، المدجّن (المطبوخ)! الذي تتم صناعته وإعداده منذ الانتعاظ الأول! 
الإيروس الموءود: 
أعتقد، أن الدين يشكل منظومة شاملة للكبت، والديانة الإبراهيمية، بفروعها المتعددة، أشد الديانات تكريساً للبطريركيّة، ونكراناً للغرائز، ووصمها بالبهيميّة، وأكثرها صراحة في الصراع بين الأب والابن، الصراع من أجل الاستحواذ على النساء وعلى الزعامة، وعلى الوجود، وأعتقد أن فرويد استمد فكرة (الطوطم والتابو) وزعيم الرهط البدائي، من هذه الديانة، التي هو ابن لها! وبكل الأحوال، وبما أنها ديانة ندم، وصراع، فهي ديانة ثقافة، ولا أعرف إذا كان من حسن الحظ أم من سوئه، أن منطقتنا تعيش تحت وطأة هذه الديانة، التي أعاد الغرب إنتاجها لنا ولنفسه، بشكل أكثر قسوة وجشعاً! وصارت بامتياز ديانة الرأسمالية والإمبريالية، وديانة البؤساء أيضاً! ونحن العرب والمسلمين من الفرع الأشد بؤساً وقمعاً في خريطة هذه الديانة الواسعة!
في هذا الفرع  الخاص بنا، يتكرس مجتمع الطاعة والرضوخ والترويض. ترى الأديان أن الإنسان يتنازعه الله وإبليس! الأول يدعوه إلى الطاعة والعبادة والخير، والثاني يدعوه إلى العصيان والتمرد والحرية، و بالتالي( الشر). إن الدين، وفق رؤيته، يسمح بما منحه الله للإنسان، وهو في هبوطه إلى الأرض، ينفذ عقوبة، ارتكبها الأب والأم الأولان! لقد سمح الله ووكلاؤه على الأرض، بالتناسل المشروع والمشروط بما يسمى: "عقد الزواج" وهو عقد شبه مقدس، لا يزال حتى الآن، وفي أغلب الزيجات، يتم تحت وصاية ومباركة الدين! وما هو خارج فهو محرم، ومن وحي الشيطان! وحين يتم التحالف الحتمي بين الدين والسلطة، يتحول هذا المحرم إلى فعل يعاقب عليه! ويغدو الكبت نفسياً وجسدياً، يصل إلى حد الإخصاء! يفقد الذكر شعوره بذاته، كما تفقد الأنثى وهجها، لتكون كائناً مغتصباً، محكوماً بتلبية لذة الرجل المقوننة! وتتبدد لذة الحب، لتغدو العملية وظيفية، الغاية منها التناسل، وتحقيق  متعة الأمومة للمرأة! أي تلبية غريزة حفظ الذات، وهذه الغريزة التي يرى فرويد أنها تتضمن الشبق والتدمير معاً! وهي أرض خصبة للخوف والكبت والعدوان والتعصب! ويؤكد الباحثون الاجتماعيون أن المجتمع المكبوت يشكل مستنقعاً حاضناً للعدوانية والإجرام والتعصب وغرابة الأطوار ونزعة الشبق التخيلي المتشدد، الذي يظهر في الأدب الجنسي، الذي يقدم تصورات لأشكال الجماع الجنسي الانحرافيّة، والمبالغ فيها، كممارسات السادية والمازوشية! ويكثر اليوم هذا النوع من الكتابات عند كتاب وكاتبات عرب!
لقد وضع التحليل النفسي الفرويدي، الإيروس(غريزة الحياة) في مواجهة (السانتوس) غريزة الموت. وأشار فرويد إلى علاقة التأمل بالموت، باعتبار أن قلق الموت هو نقطة انطلاق كل تأمل!
والدين يدعونا للتفكر في الموت والحساب،  ويعدنا بالتعويض الأخروي، الفردوسي! ويقدم للبشر صورة لسعادة أبدية مملة، رغم أنها تأخذ  بألباب الملايين عبر العصور، وفي الشرق والغرب.                                      
إن طبيعة الإنسان الداخلية أو الذاتية، تتكون من الدوافع والغرائز الأولى، والحواس التي هي أساس عقلانية الإنسان، وواقعيته، وتجربته، هذه الطبيعة إذا ما فشلت في التكيف مع الأنا الأعلى، تكون قد وقعت بالانحراف، ويفرض عليها المجتمع المراقبة والعقاب. ويرى فرويد أن الجوهر العميق للطبيعة الإنسانية، يقوم على الغرائز الأولية، التي هي مشتركة بين جميع الناس، والتي تهدف إلى إشباع حاجات أولية معينة، تمر هذه الغرائز البدائية بعملية نمو طويلة، قبل أن يسمح لها بأن تصبح نشطة لدى الكائن البالغ، فهي تقمع وتوجه نحو أهداف متحولة ومتناقضة. هذه الغرائز المكبوتة، التي ينتج عنها القلق أو التسامي، وعلاقة ذلك بالنشاط الثقافي والفني عبر ما يعرف بالتصعيد. 
إيروسيّة عصر الإعلانات:
دين جديد:
الإيروس المنطلق على سجيته، حبّ ولذّة، وغريزة الحياة، ليست فاعلية إيجابية محضة، فالغرائز الأولى لا تزول مع الزمن، ومع ثقافة الحضارات المكتسبة. إن الغرائز تكبت، وتنحصر، وتتحول أو تتسامى! ونزعة الافتراس والعدوان والتدمير، من النزعات الأولية المتأصلة في الإنسان، والثقافات تصقلها وتهذبها، ولا تستطيع أن تمحوها، وفي بعض الأحيان تحتاج القوى الأنانية المتحكمة إلى أن تستنهض هذه الحيّات النائمات من محاجرها! فالغرائز مملوكة، كما الجسد والروح، لقوى غير خفيّة! ونحن نعيش في عصر قوى التحكم، والإيديولوجيا السائدة، هي إيديولوجيا المصالح (البرغماتية) التي تبرر لنفسها أن تغتصب الطبيعة والإنسان وكل شيء، إذا كان في ذلك نفع مادي! إنه عصر التسليع، عصر تأليه السلعة، والمحرك الحيوي لهذا العصر هو الاستهلاك، فالفحول الكبار هم الذين يملكون السلعة، ويليهم في المرتبة، الفحول الذين يستهلكونها! أما المخصيون، فهم الذين لا يملكون متعة الاستهلاك! إن قيمة الإنسان اليوم تكمن في مقدرته على الاستهلاك! الدين اليوم،        كما عبر العصور، دوره وظيفي. ولكنه أقل أهمية مما مضى، في ظل الديانة الجديدة! فرجال الدين والكهنوت الجدد، هم: الخبراء في صناعة الصورة، والإعلان، والبارعون في الترويج، هم الإعلاميون الذين يجيدون التنميق والكذب، وفنانو الواجهات، والسرديون التافهون الذين ينضوون في الموجة! في هذا الدين الجديد، لا قيمة للشعر، ولا للشعراء الخرافيين، الذين لا يزالون يعتقدون أن ثمة معنى خارج هذا الوثن الذي له ألف صورة، ومضمون واحد! إنه الإله الجديد، الأكثر شمولية وضراوة، والذي استطاع عبر أدواته وكهنته الجدد أن يمتد ليصل إلى أقصى الأصقاع، وأن يدخل القصور والأكواخ! إنه ما يسمونه، وأرجو أن تقرأ بحروف منفوخة: ( العولمة!) ! الجالسة على عرش علمي مذهب، يحفّ به منظروه من الليبراليين الجدد، الذين يشبهون هدهد سليمان! وأسجل هنا محبتي وإعجابي بالهدهد، واعتذاري منه على هذا التشبيه! 
كائنات هذا الشرق، رغم أنفهم، يقفون اليوم عراة، أمام مستويين عدوانيين من الثقافة القامعة: مستوى محلي، ومستوى كوني، وحالنا كشعوب مستلبة ومنتهكة الإرادة، يشبه حال المرأة عندنا، نخضع جميعاً لقمع مركب ومتضافر، إنه ألعبان القوة الناعمة والفولاذية، حسب المقتضيات!
عبر أبو نواس في العصر العباسي عن رغبة السلطة( الخليفة) الجامع للسلطة الدينية والدنيوية في خصي الناس، يقول أبو نواس:
احمدوا الله جميعاً             يا جميع المسلمينا
ثم قولوا لا تملوا               ربنا ابق الأمينا
صير الخصيان حتى           صير التعنين دينا
فاقتدى الناس جميعاً              بأمير المؤمينا
وفي العصر الحديث، جعلنا الطغاة" موتى ! كما يقول بدوي الجبل:
"نحن موتى! وشر ما ابتدع الطغيان           موتى على الدروب تسير!..
نحن موتى، يسرّ جار لجار                    مستريباً: متى يكون النشور؟!"   
وعلى ضوء ذلك القهر التاريخي المتجدد، لا أعتقد بإمكانية الإصلاح، ولا أمل عندي بثورة المخصيين، التي حسب المنطق لن تصل إلى ذروة، بل إلى مزيد من الانكسار، والتدمير الذاتي. مع وجود أحزاب شائخة، فاقدة للكبرياء.
 إن الإيروسية في تحولاتها وأقنعتها الجديدة، ووفق منطق التسليع، حيث الإنسان عموماً، والمرأة بشكل خاص، سلعة وأداة استهلاك للسلعة، في الآن ذاته، ومادة للترويج والربح! هذه الإيروسية الجديدة، تعمق المأزق بين من يستحوذون على الفحولة، أي القادرين على الشراء، والذين لا يملكون الحد الأدنى من هذه الطاقة (القضيبية) وفي ظل ذلك، إلى المزيد من الأزمات الاقتصادية والحروب والجرائم.. ومن غير المعروف كم ستنفع الفياغرا في الحد من هذا الجنوح؟!  


*قاصّ سوريّ صدر له أربع مجموعات قصصية    
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top