Log-in
Search

الإيروس في تحولاته: من عصر الحب إلى عصر الاستهلاك 1

Posted on May 11, 2014 by Tadween Editors | 0 comments

 

ناظم مهنا*
الإيروس في كل مكان:
درجت العادة أن يخوض في هذا الميدان، المتخصصون والمحللون الأكاديميون! وبما أن المسألة تخصنا جميعاً، أقدم، بتردد، بعض الإشارات والآراء، على ضوء التجربة والتأمل وبعض القراءات.
عندما يبدأ الإنسان باكتشاف جسده، في سن مبكرة من الطفولة، تبدأ المحرمات والقيود بأشكال مختلفة! وفي هذه الحلكة، تتكون فينا ذوات سريّة، تجعلنا نسترق النظر، نتلصص، لاقتناص لحظة الاختبار! ثمّ ،لا يلبث أن يستفيق الآباء، والأبناء متلبسين بالشبهة، ثم يستفيق المعلمون، والمشايخ، وتبدأ آلية الرقابة، ليقدم الأبناء في نهاية المطاف، للمجتمع، كائنات متكيفة، خجولة، مطواعة..  
 إن الطبيعة تقدم للكائن، مائدة وافرة من الثقافة الجنسية، وهي كتاب صريح، لا يقوى آدمي على طمسهففي الطبيعة وفرة  إيروسيّة ، وفيها ما يعزز شهوة الحياة وشبقها! ففي البيئة القرويّة، المفتوحة على الأفق، يمكن أن تكون وجهاً لوجه، مع هيجانات الطبيعة، وتسمع بلذة، إذا كنت تجيد الإصغاء، النداءات الصريحة والغامضة للكون وهو يتفتح، ويتلاقح، وينتشي! الحيوانات، الطيور،  البشر، الشجر، الأرض.. كلها تتخصب، ولها لذتها وألمها، ولادتها وموتها! إذاً، وأنت تكتشف جسدك، تكتشف أسراراً أخرى، في فضائك القريب، لم  تتمكن  شرطة الحشمة الكونية من حجبها عن النظر! ويزداد فضولك لحظة بعد لحظة، في منطقة العيب والمحرمات! وما تكاد تعي الأمر، حتى تصطدم بالجدران الأخلاقية!
على المستوى الشخصي، خبرت هذه الطبيعة، وماحكتها، وتمعنت في هذه الشهوة (الملعونة) وكان هذا تمرداً أولياً على الحياء والعفة والتهيب.. رأيت الطيور تتسافد: الحمام، والدجاج، والعصافير، ورأيت الأفاعي، والحمير، والقطط، والكلاب، والماعز، والبقر، قبل أن أرى جماع البشر
وفي الطبيعة أيضاً ما لا حصر له من الثنائيات، التي تعزز الانطباع والشعور بالإيروس: الرجل /المرأة، الليل /النهار،  الشمس/ القمر، السماء/ الأرض.. كل طرف من هذه الثنائيات، يطابق: (الذكر/ الأنثى) وفي التصورات الشعبية، بعض الحيوانات القبيحة والمذمومة تكون ذكراً وأنثى معاً، وبعضها لا ذكور لها، تستدين من حيوانات أخرى من أجل التناسل!
كما تقدم لنا الحياة القروية، حالات"دون جوانية" عفوية وشاعرية، و رومنتيكيات  قبل  التلفزيون، كانت القرى تزخر بالعشاق، وبنساء شبقات، غاويات، وبعض الزانيات (المتأبلسات) حكم عليهن المجتمع بالرجم المعنوي! والريف أكثر حرية من المدن عندنا! ورغم الانفتاح النسبي المتاح بين الجنسين في القرى، فقد عاصرت في صباي، بعض الجرائم، على الأرجح، كانت دوافعها جنسية! فالكبت في مجتمعاتنا وفي ثقافتنا، أمر مركب، ومعقد!
إن ثقافتنا، ثقافة قمع، ثقافة  قضيبية، على الرجل فيها أن يخضع لسلطة الأب أو الزعيم، كما على المرأة أن تخضع لهذا الرجل المهان، المصفد بالقناعات الأخلاقية، التي تجعل منه عبداً يمتطي عبدة! كلاهما مستهدف، خاضع للمراقبة والعقاب! وتمثل أجهزة القمع السلطوية، حالة ذكورة، ممركزة القوة، والفحولة، تفرض إيحاءاتها حتى على الرجال ( القبضايات) في القرى والأحياء
في هذه الثقافة، الفحولة مقدرة، لا يملكها إلا الأقوياء من الذكور الذين يملكون النفوذ، وأدوات ديمومته. أول مرة أسمع كلمة فحل، كنت في مدارج الصبا، وفي المراعي، ثم فيما بعد نلاقيها في نقد الشعر الجاهلي:" طبقات فحول الشعراء"!  تطلق صفة الفحل، على ذكر الماعز المميز، والمخصص لتخصيب العنزات، وباقي الذكور، من الماعز تخصى، وتسمّن للذبح! كذلك  الأمر في جماعة البقر، الفحل المخصص للتلقيح، يسمى في مناطقنا( طيسون) لا أعرف مصدر هذه الكلمة، يكون رشيقاً قوياً، كبير الخصيتين، باقي الذكور، تخصى، وتفرد لحرث الأرض، ثم للذبح، والطيسون يلاقي المصير ذاته حينما يقصر في الأداء! والمؤلم هنا، أن الحيوانات المخصية، لا تفقد الرغبة، وهي تحاول أن تأخذ حقها من اللذة، لكن دون جدوى. إنها تخفق في الوصول! من جراء هذه الجريمة، دون أي عقاب يطال الفاعلين!
من بين كائنات الطبيعة، يستأثر الإنسان بحصة أكبر من الجنس، ومع ذلك، لا يتوانى وبكل دهاء وخسة، من وصف الجنس بأنه فعل بهيمي!
تحوّل الايروس:
نستطيع أن نلحظ اليوم في حياتنا اليومية، جنسنة سافرة عند الشباب،عند الشابات المحجبات والسافرات، وكان الإعلام الإيديولوجي المحلي والعالمي، يروج عندنا لإسلام تركي! يبدو أنه من إنجازات الانفجار التواصلي في القرن الواحد والعشرين! لكن، هل هذا يعني أنهم تحرروا من الكبت أو القمع؟! أعتقد، أنها من تحولات الإيروسية، تحت وطأة القمع وقيادته الماكرة! القمع يُقنّع اليوم بدهاء، وهذه الجنسنة من تعبيرات هذا القمع. إن الثقافة التي نتكوّن داخلها، قائمة على السفور والأقنعة، على الظاهر والباطن، والتصريح والترميز، تفضي كلها إلى القهر والاستلاب! وهذه الثقافة، رغم تقنعها بالأخلاق والفضيلة والتعفف، هي ثقافة جنسية، عدوانية بامتياز! والسلطة التي تخدمها هذه الثقافة، ترفد قوتها من فائض القيمة الغرائزية، المسروقة من الأفراد والجماعات المضطهَدة عبر التاريخ
 معظم الحكايات والقصص والأشعار، والأحاجي، والألغاز، تحمل مضامين، وإشارات جنسية مقنّعة، مثل:( قصة ليلى والذئب) والأغاني التي تتحدث عن الحب والأشواق، والإشارات إلى الخيانات الزوجية، والغيرة، والتغزل بالجسد عبر الإشارات إلى أشياء أخرى، تكون بمثابة كنايات، كالتغزل بالرمان، إشارة إلى صدر المرأة! والتغزل بالورد الجوري، وسهام العيون...إن الكبت يفرض لغة رمزيّة، تتحوّل إلى صور واستعارات جمالية! وللعضو الجنسي، تسميات ارتجالية متغيرة، وتستخدم حسب المناطق، من السهل أن تدرك من السياق، كأن يشار إلى العضو الأنثوي باسم: "أبو مسعود" أو " الآغا" وهذا الأخير للمذكر والمؤنث!

قراءة الجزء ٢ هنا
 
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top