Log-in
Search

أديان الأقليات في الشرق الأوسط

Posted on March 19, 2015 by Tadween Editors | 0 comments
حوار مع جيرارد رسل
هيمنت المسيحية واليهودية والإسلام على الشرق الأوسط لقرون، وكانت النتائج غالباً دموية أكثر مما هي سلمية. لكن المنطقة ولّدتْ أيضاً الكثير من الأديان الأصغر بمعتقدات وممارسات تختلف بصورة كبيرة عن تلك الأديان التوحيدية الكبرى. يعود بعضها إلى ما قبل يسوع بكثير، وحافظ على شعائر إمبراطوريات مفقودة وثقافات غالباً ما ظُنَّ أنها انقرضت.
عاش جيرارد رسل ـ وهو دبلوماسي أميركي من أصل بريطاني ـ في القدس وبغداد وكابل، وهو مهتم بالأديان التي نجت حتى حين كانت تلك الأديان التوحيدية الثلاث الكبرى تشهد حروباً تدميرية. سافر طيلة سنوات إلى قرى ومعابد للقاء كهنة ومؤمنين عاديين حتى أثناء تمدد تنظيم الدولة الإسلامية.
كانت نتيجة هذه الأسفار كتاباً حمل عنوانورثة الممالك المنسية: رحلات إلى الأديان المتلاشية للشرق الأوسط” (بيسك بوكس)، وصف فيه رسل لقاءاته مع عدد من هذه المجموعات وبينهم اليزيديون، وهي فئة كردية تعرضت للاستعباد والإبادة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية مؤخراً، والصابئة المندائيون، الذين يستخدمون تعويذات سحرية منذ البابليين، والطائفة الدرزية الصوفية والفلسفية في المشرق.
تشكل  هذه الأقليات بضعة ملايين من البشر من بين ٣٠٠ مليون في الشرق الأوسط الأكبر. إن بقاءهم اللافت، أحياناً في شكل متواصل لآلاف الأعوام يبين جانباً منسياً من منطقة أكثر تنوعاً مما تبدو عليه. ويوحي حضورهم اليوم بأن هذا المكان شهد تاريخياً حكاماً متنورين ومنفتحي الذهن أكثر من الحكام الحاليين.
ج.وود: لماذا الأقليات مهمة؟
رسل: إن هذه الأديان المتلاشية تصلنا مع العناصر القديمة للتاريخ البشري، وتخبرنا أموراً عن أنفسنا نجهلها، وتساعدنا في فهم أن الشرق الأوسط ليس مكان صراع فقط، بل مكان تعايش فيه البشر بشكل أكثر نجاحاً مما هم عليه الآن.
ج. وود: تبدأ بالكتابة عن الصابئة المندائيين. من هم وبماذا يؤمنون؟
رسل: لقد استمر المندائيون طيلة آلاف الأعوام، وجاؤوا من الأهوار العراقية. لديهم عادات بابلية بما فيه التعاويذ السحرية، لكنهم يمارسون العمادة، وهي بالنسبة لهم نوع من اللقاء مع قوى نهري دجلة والفرات المانحة للحياة، ويؤمنون بيوحنا المعمدان وليس بالمسيح، كنبي. يؤمنون بإله واحد لكن إلههم شخصية بعيدة، يشبه إله الفلاسفة أكثر مما يشبه إله العهد القديم.
لقد تناقلوا تعاويذهم بإخلاص عبر الأجيال وتشير إ لى الإله بعل والإلهة عشتروت. بعض صفحات كتبهم منقطة بالرطوبة: يبللون رسماً لشيء مقدس، أو كلمات مقدسة، ثم يشربون المياه، بعد أن تصبح مقدسة بالاتصال.
ج. وود: احتل اليزيديون لوقت وجيز الصفحات الأولى للصحف كونهم هُوجموا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. يُعْرفون في العراق باسمعبدة الشيطان”. هل حقاً يعبدونه؟
رسل: إن فكرة أنهم عبدة شيطان افتراء محض. لقد اتُّهمت جميع أديان الأقليات في الشرق الأوسط بشعائر جنسية سرية وعبادة آلهة مزيفة وممارسات وثنية سرية تجري خلف الأبواب المغلقة. ما يحيّر الناس هو أنهم لا يؤمنون بأن الشيطان شرير. بل يجمعون أن كبير الملائكة عزازيل تمرد ضد الله، لكنهم قالوا إنه تاب واستعاد موقعه. يسمونه الملاك الطاووس، ويرونه جيداً وخيّراً.
ج.وود:نفكر بالشرق الأوسط كمنطقة صعبة على الأقليات الدينية. كيف نجح هؤلاء في البقاء؟
رسل: إذا نظرتَ إلى صور أهوار العراق الملتقطة من الجو ستلاحظ أنها أرخبيل، وكان من الصعب على أي جيش ـ بما فيه الروماني أو الفارسي ـ أن يغزوها. وتمكن أصحاب العقائد ـ وبينهم الصابئة المندائيون والمانويون ـ من الوجود هناك لقرون أحراراً من التدخل. وكانت الحكومات أضعف في ذلك الجزء من العالم، وهذا يفسر جزئياً سبب التنوع لكنه أيضاً سبب للصراع. ليس هناك أحد يضع القواعد أو يطبقها. لديك ثقافة كاملة في الريف حيث ما تزال المعتقدات الوثنية سائدة. في أوربا لم تستمر المعتقدات الوثنية. لكن علينا أن نتذكر أيضاً أن غياب التسامح لدى تنظيم الدولة الإسلامية أو الإمبراطورية العثمانية في مراحلها الأخيرة لا يعبر عن التاريخ الإسلامي كله. مرت أوقات أراد فيها حكام بغداد التعلم من الأديان الأخرى. ثمة وثني مشهور يدعى ثابت بن قرة جاء من مدينة حران في جنوب تركيا وكان عالم رياضيات، ولم يكن مسيحياً أو مسلماً، وكان يصلي متجهاً نحو الشمس ثلاث مرات في اليوم. دُعي هذا الرجل كي يكون باحثاً في بلاط الخليفة. كان هذا وقتاً أفضل بكثير للانفتاح على أفكار الآخرين مما يبدو عليه الأمر اليوم.
ج. وود: إن كثيراً من هذه الأديان سرية في معتقداتها وممارساتها، لماذا؟
رسل: إذا كان لديك معتقدات كالدروز أو كبعض المتصوفة بأن الله اتخذ شكلاً بشرياً والعالم كله مصنوع من الله يمكن أن يساء فهمك بشكل سطحي وخطير. تلحُّ بعض هذه الأديان أن الكتب المقدسة يجب أن يقرأها فقط العارفون الذين يمتلكون حق قراءتها. إذا كنت تريد أن تكون صابئياً مندائياً وتقرأ الكتب المقدسة يجب أن تصبح كاهناً. وكي تفعل هذا يجب أن تبقى مستيقظاً وتصوم سبعة أيام بلياليها وتتعلم كلمات طقسية يكتبها لك أسقفك. يكتبها لها على الأرض بعصا، على التراب، الذي يُرفس بعد ذلك ولا يمكن لأحد آخر أن يقرأها.
ج.وود: لماذا هذه الأديان صغيرة، بالمقارنة مع المسيحية والإسلام؟
رسل: صارت الأديان الكبرى الرئيسية في العالم اليوم في نقطة ما أديان دولة أو تبناها إمبراطور، ملك، أو حاكم آخر. لكن أديان الأقليات لم تكن هكذا. وهي أيضاً لا تؤمن بتحويل الآخرين عن دينهم، وبأية حال لم يكن بوسعها تحويل المسلمين لو أرادت، لأن الذي يرتدّ عن دينه في الإسلام يستحق القتل. تعلّمتْ أديان الأقليات أن تحافظ على هويتها وتعيش بحرص، ولكن الثمن كان البقاء صغيرة وألا ترفع رأسها عالياً جداً فوق المتراس.
ج. وود: لقد عملت مع الحكومة لكنك الآن تسافر وتكتب بشكل خاص، ما الذي تراه الآن ولم يكن بوسعك رؤيته حين كنت في موقع المسؤولية الرسمية؟
رسل: إن معظم الحكومات لا تعتقد أنه من المهم مناقشة الأديان. يشعر المرء أنه  مقيد بشكل كبير ولا يستطيع قول أي شيء مهم. لكن إذا كنت لا تتحدث معهم كممثل لحكومة، وتستطيع أن تبرهن أنك هناك كي تفهم، فإنهم سيتحدثون بشكل منفتح أكثر. كانت الفلسفة اليونانية هي كاسحة الجليد مع الدروز، لأنهم يعتبرون الفلاسفة اليونانيين أبطالاً، تقريباً أنبياء، لدينهم. كطالب للفلسفة اليونانية كان من الرائع العثور على أقرباء في الجبال اللبنانية. وجدوا أنني أفهم وأستوعب بعض الأشياء التي يحرصون عليها.
ج. وود: ما الذي لا نفهمه نحن، وخاصة حكوماتنا، عن الدين في الشرق الأوسط؟
رسل: حين أفكر بعملي وتاريخ الدبلوماسية البريطانية والأميركية أرى أن أحد أفدح أخطائنا هو الاستخفاف بقوة الدين التحفيزية الهائلة. يجب ألا نحاول اختزال الدين إلى السياسة والاقتصاد ونفترض أن الناس يفعلون أشياء لأسباب نفهمها مباشرة. نميل إلى التفكير بأن الأصوليين سيقبلون بحل وسط لأنهم يريدون المزيد من السلطة. إنهم يريدون الذهاب إلى الفردوس! نستخف بصدق معتقداتهم، ولهذا السبب نستخف بالتهديد الذي يمكن أن يفرضوه على أنواع المجتمعات التي يمكن أن نريد مشاهدتها.
إن هذه الأديان مهمة في الحقيقة. فأنا أحرص على الشرق الأوسط، أحبّ الناس والثقافات هناك. وهي متنوعة ومتعددة وغير أحادية اللون، وذلك التنوع والروح القديمة للتسامح شيء يجب أن نعمل للحفاظ عليه، ويجب أن يكون المسلمين فخورين به.
       
جرايم وود
بوسطن غلوب
ترجمة: تدوين
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top