Log-in
Search

معرض بيروت للكتاب: مشاهدات وملاحظات

Posted on January 14, 2016 by Tadween Editors | 0 comments

   

صور بعدسة: لؤي ماجد سلمان 

لؤي ماجد سلمان

يعود الكتاب في بيروت كعادته كل عام ليسبح عكس التيار ويحيلنا إلى قول المتنبي: "خير جليس في الأنام كتاب”. ففي عصر الثورة الرقمية الكتاب مقاوم للتطور الإلكتروني، الهواء الذي تستنشقه الأجيال الجديدة وشباب هذا العصر في زمن توقف فيه فعل المطالعة في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية وحل مكانه البحث في الشبكة العنكبوتية عن أي معلومة مهما بلغت أهميتها أو وضاعتها.

كما لا يمكن تجاهل وسائل العصر الترفيهية المتاحة في الدول العربية خاصة لبنان الذي يتلقف كل ما هو جديد، لكن مع هذا كله يبقى للكتاب حضور خاص، يشكل الجزء الأهم في المشهد الثقافي البيروتي لتؤكد بيروت أنها العاصمة العربية الأكثر انفتاحا بين أخواتها.

ويمكن الجزم أنه مشهد ثقافي يتجاوز الوطن العربي ويدنو من العالمية في مدينة لا زالت تعيش تداعيات الحرب، التي ما زالت آثارها واضحة على المجتمع رغم مرور أكثر من عقدين، و رغم تراجع الدور الرسمي في دعم الكتاب، أو حتى الاهتمام بزوار بيروت في العرس الثقافي.

الدروب ضيقة وعرة مليئة بالحفر وغبار الأعمال الخرسانية، تجعلك تذكر أنك شريك في الطين الذي خُلقت منه. لا مبالاة تؤكد عدم ارتباط ثقافة الحكومة مع ثقافة المؤلف و رجال فكر العصر الحديث وتراث الأسلاف، فالجهة المقصودة هي معرض للكتاب وليس أحد الملاهي الليلية أو سوق تجاري وسط المدينة، ومن يحضر هم طبقة المتقشفين حكماً وليسوا من طبقة السواح في العلب الليلية.

زوار المعرض من كافة الأعمار، وهناك من حضر عبر رحلة مدرسية بقصد الفرجة للأسف، لا يمتلك ثمن كتاب أو قصة من قصص الأطفال، لكن على الرغم من أن هذه الرحلة إجبارية إلا أنها في الواقع خطوة نحو إصلاح ذات البين بين الورق والجمهور، لا سيما أنه توجيه للأجيال الجديدة الهدف منه غرس مفهوم غائب عن طلبة يتقنون استعمال "الأي باد" أكثر من حفظ خارطة بلادهم وحدودها الجغرافية.

وهناك من حضر لتبديد الوقت أو تسجيل نقطة في مرمى الثقافة بأنه متواجد دائماً في أي مناسبة ثقافية ومطّلع، ووجدها فرصة للتحدث مع هذا وذاك عن كتب لم يحفظ منها اسم المؤلف. سيدات وشابات انتقوا كتاباً أو مجلة واتجهوا مباشرة لاحتساء المشروبات والثرثرة الاجتماعية والتقاط صور “السيلفي"، مثقفون متذمرون كعادتهم يندبون حظ الكتاب والمعارض الثقافية ونوعية الحضور، يسألون عن ميخائيل نعيمة وغيره من زوار معرض بيروت، لا تعجبهم الكتب ولا الدور ولا حال القراءة المتردي، ولا ننكر أن هناك مهتمين تجدهم يفتشون عن بعض العناوين، أو يقلبون صفحات وفهرس كتاب لاقتنائه، أو يبحثون عن إصدارات جديدة لاسم بعينه.

كتب الأطفال

للطفل نصيب من كتب المعرض التي يحرص أصحابها على إغرائه بها من خلال الرسوم التي تتزين بها أغلفتها، لكن الطفل لا يكترث للقصص في حضور الألعاب التي أقحمت على معرض الكتاب. والملفت أن بعض الدور تحاول استخدام اللغة العربية السهلة أو المحكية لإقناع الأطفال مما يجعل النص دون الحد المطلوب لتثقيف الطفل، غير أنها في المقابل تحرص على طرح كتب تتناول التطور التكنولوجي بشكل يتناسب وذهنية الطفل. لكن ما يميز أجنحة الأطفال أن هناك قصصاً بلغات فرنسية وإنكليزية مع أن سعرها يفوق سعر القصة العربية ثلاث مرات، الأمر الذي لا يمكن أن تشاهده في معرض كتب يهتم بكتاب الطفل في دول عربية أخرى، والقصة الدينية موجودة في أغلب الأجنحة فيمكن أن تجدها في جناح مخصص للأطفال، أو في جناح الكتب الدينية، سلسلة قصص الأنبياء، أو الحض على مكارم الأخلاق، ويمكن أن تشاهد قصصاً فيها رؤوس مقطوعة.

الكتاب الديني

ما يزال الكتاب الديني يحافظ على الصدارة في معرض بيروت شأنه شأن المعارض العربية، بل ويمكن الجزم أن انتشاره يزداد من عام إلى عام. وغالباً ما يترافق ازدياد عدد الكتب الدينية وانتشارها مع توسع الموجة الدينية في العالم والوطن العربي على وجه الخصوص. وليست المشكلة وجود الكتاب الديني أو الفقهي، أو الكتب التي تضم سير أشخاص وتدعو إلى التراحم والفضيلة، إذ تكمن المشكلة الحقيقية في وجود الكتاب الديني المتطرف الذي يخفي في ثناياه أشكال وفكر التنظيمات والتيارات المتطرفة التي تحرض على تعطيل العقل، والحض على القتل وتدمير الوعي العام، ولا رقابة تخضع لها تلك الإصدارات.

ولا يقتصر الحضور الديني في معرض بيروت على الكتاب، فالخطب الدينية حاضرة أيضاً، وأصحاب الدعوات ينشرون أفكارهم المسجلة عبر مكبرات الصوت كأنهم على المنابر في خطب الجمعة. ويمكنك أن تشاهد صوراً تتصدر بعض الأجنحة لشخصيات كان لها تأثيرها السلبي على الشباب العربي حين حرضت على القتل بحجة الجهاد، إضافة للأناشيد الدينية التي تسمعها أثناء تجوالك واستعراضك للعناوين.

الجناح الإلكتروني

إن أسوأ ما تشاهده في معرض الكتاب أجنحة تهتم بالكتاب الإلكتروني وأجهزة الألعاب والترفيه الإلكترونية فالبرغم من سيطرتها على الفرد طول العام لم تتركه في زيارته السنوية لمعرض يحتفي بالكتاب والورق، وتجد الجناح الالكتروني مكتظاً باليافعين أكثر من باقي الأجنحة. ولا يمكن إغفال مزاحمة الكتاب الإلكتروني للكتاب الورقي في كل المراحل سواء من ناحية الوصول إليه على مدار الوقت عن طريق الانترنت الوسيلة الأسرع والأرخص بالنسبة للقارئ، الشرط الذي لا تحققه الكتب العالمية إلا في المعارض والتظاهرات الثقافية السنوية ويمكن التأكيد أنك لن تشاهدها في كلّ البلدان العربية، باستثناء معرض بيروت الذي لا يحرم كتاباً من المشاركة في هذه التظاهرة بغض النظر عن توجهه الفكري والعقائدي.

ولا يمكن إغفال تأثير الثقافة الإلكترونية على المجتمع اللبناني، والمؤلف الذي بات يستسهل في التأليف فلا رقابة على اللغة المستخدمة إن كانت فصحى أو عامية، والجديد دخول المصاحف وبعض الكتب الدينية للقارئ بشكل إلكتروني، أو عبر شاشات صوتية تساعده على إتقان اللفظ الصحيح.

عناوين تجارية

لا ننكر أن المعرض السنوي للكتاب هو توافق مذهبي وحزبي واجتماعي وسياسي غير معلن كما يعتبره البعض، أو يطمح أن يكون في هذه الصيغة الثقافية. لكن الحقيقة غير ذلك، نعم العيد جماهيري تقرع فيه الأجراس لكل الطوائف والانتماءات. الكل يقدم نذره للثقافة إلا أن كل أيديولوجيا وطائفة تأكل من نذرها وترفض أن تشارك في تقبل نذور الآخر إلا من باب المجاملة والمحاباة الرسمية، هي هوية الدولة والمدينة التي فرضت عليها، لكن مشاركة دور عربية غير لبنانية وترجمات عالمية لكتب أدبية جعلت بعض المهتمين ينتقون ويطلعون على إصدارات جديدة، علماً أن الكتب الدينية والسياسية هي التي تفوقت في النهاية على باقي الكتب في نسبة المبيع.

ويمكن اعتبار معرض بيروت في هذه الدورة مركز تجمع للرأي والرأي الآخر حول الثورات والحريات لأن باقي الكتب أغلبها مكرر ومنها مطبوع للمرة الخامسة أو العاشرة، خاصة أمهات الكتب الأدبية والمترجمة والدينية والتاريخية مثل موسوعة أدباء لبنان، موسوعة الأعشاب والأبراج، كتب الشعر العربي، الكتب الأكاديمية، روايات أغاثا كريستي البوليسية، كتب المتصوفة، مجلدات بحار الأنوار، شكسبير، ألف ليلة وليلة وغيرها من الكتب الحريصة على حضورها في كل المحافل والمعارض.

العناوين الجديدة قليلة نسبياً، بينما نجد أنه و مع مشاركة 240 دار نشر تقاطعت أغلب المؤلفات حول مصطلح "الربيع العربي" والثورات بدءاً من تونس إلى ليبيا ومصر واليمن وسورية، فهناك من يقول إنه تناول الثورة بعمق، وثمة من يبحث في أسباب الثورات، وتبدو العناوين جذابة لكن المرء قد يشتبه بوجود أسلوب تجاري لترويج كتب تتسم بضعف الرؤية والأسلوب من خلال استغلال العناوين المثيرة لجذب المواطن العربي الذي يتوق أصلاً للحرية و الانعتاق، ومن بين هذه الكتب نجد عناوين مثل: "الوطن العربي والانقلاب الشعبي، الديمقراطية ثورة، أوراق شاب مصري، يوميات الثورة المصرية، قلمي وألمي مائة يوم في سورية، السير على قدم واحدة، سقوط الدولة البوليسية في تونس، جماهيرية الرعب، هل الربيع ثورة، الجامعة العربية وسوريا دور باطل ومال قاتل، راقصة داعش، مالم يكتب عن داعش”.

ومن الكتب التي تناولت هذه المواضيع كتاب "الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج- الحرب السورية بالوثائق السرية" للإعلامي سامي كليب، والذي حقق أكبر نسبة مبيعات في معرض هذا العام إذ تمت إعادة طباعته ثلاث مرات متتالية لتلبية طلب الجمهور الذي يعشق الاطلاع على الأسرار والوثائق السرية وخفايا الحروب.

مع ذلك يبقى للكتاب الأدبي طلابه، فئة الحالمين والرومانسيين الذين يحرصون على اقتناء الرواية والشعر والقصة ويفتشون عن كتب بعيدة عن السياسة ولغة الحروب، بينما نجد تراجعاً كبير للكتب اليسارية إن صح التعبير.

التوقيع

العادة القديمة الجديدة التي تخلق حشداً في بعض الأجنحة طالما أن المجتمع العربي ما يزال يعشق الكتب الممهورة بتوقيع المؤلف، حتى أن منهم من يحرص على اقتناء الكتاب في حفل التوقيع فقط للاحتفاظ به لا بقصد القراءة، هواية جديدة لمن يملك المال وهمه أن يكون من أصدقاء الكاتب ولو من خلال عبارة، بغض النظر عن ما يحتويه الكتاب، أو إن كان ضمن قائمة اهتماماته أو لا.

بعض السيدات أو المراهقات يحرصن على الحصول على نسخة والتقاط صورة تذكارية مع المؤلف، وثمة من يضطر إلى مجاملة صديق فيحضر أثناء حفل التوقيع. وقد يتعلق الأمر بالمجاملة بين المثقفين أو أصحاب المؤلفات ورد الدين بين الأجنحة. وأراد قسم منهم أن يسجل حضوره كمتابع ويرضي غروره، فلا نجده يبحث أو يزور أجنحة المعرض بتاتاً، بل يحمل الكتاب الموقع ولو كان حول فن الطبخ ويتجه إلى المقهى أو يبحث عن جناح فيه تجمع ليأخذ قطعة شوكولا وتوقيع المؤلف.

ولا يمكن التعامي عن العلاقات العامة وان كان لصاحب الكتاب مركز سياسي أو اجتماعي يجعله يجذب إليه الكثير من المنافقين على مائدة التوقيع بغض النظر عن قيمة الكتاب الفكرية أو المادية. أحد الأشخاص اشترى عشر نسخ من كتاب واحد!!

غير أن بعض الكتاب السوريين استغلوا معرض بيروت لتوقيع كتبهم طالما أن دار النشر كانت مشاركة في المعرض، لكنها كانت نسبة ضئيلة بالنسبة للإصدارات الجديدة التي حملتها دور النشر السورية معها من دمشق إلى بيروت. وهناك نسبة لجأت في سنوات الحرب إلى دور نشر لبنانية لطباعة كتب لم تقبل دور النشر السورية طباعتها والترويج إليها، فكانت بيروت الحاضنة كما عودتنا منذ عقود طويلة.

عرض كثير وطلب قليل

بعد القيمة الفكرية والأدبية لأي مؤلف لا بد من لفت الانتباه إلى القيمة المادية التي حالت بين جمهور القراء والكتاب، إذ لم تكن الأسعار مشجعة لاقتناء الكتاب بالنسبة للمجتمع اللبناني والسوري خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها لبنان وسورية وانعكاسها على الفرد والأسرة. ولا يمكن السهو عن سعر صرف الليرة مقابل الدولار بالنسبة لمثقف سوري يتقاضى أجره بالليرة ولا يمكنه اقتناء أكثر من أربعة كتب كإصدارات جديدة لم تندرج تحت قائمة الكتب الثمينة نسبياً أو المهمة.

حتى المواطن اللبناني لم يكن باستطاعته تخصيص أكثر من مائة دولار أمريكي للمعرض السنوي وتراوحت نسبة الشراء بين الخمسين دولاراً و المائتي دولار للشخص الواحد متضمنة كافة الشرائح العمرية بما فيها المهتمين بالثقافة وباقتناء الكتب، علما أنه وبحسب اللجنة المنظمة تخطت نسب المبيع مثيلاتها في السنوات الثلاث الماضية.

هنا يلعب المكان الدور الأبرز في غلاء الكتاب، ال”بيال"، بعد أن كان في شارع الحمراء ثم قاعة "اكسبو بيروت" فندق "هوليداي ان”، استقر وسط المدينة مما زاد الضريبة على القارئ، فزيادة سعر الجناح سبب رئيسي في زيادة سعر الكتاب.

لكن إذا ما قارنا بين سعر كتاب ينتهج الفكر العلماني وسعر كتاب ديني سنجد الفرق واضحاً وسيتبين لنا أن هناك سياسة تسويقية تحاول توجيه القارئ صوب الكتب الدينية الأرخص حتى من كتب الطبخ والأبراج. 

برستيج ثقافي وغياب عالمي

كان واضحاً أن الصفة التجارية مسيطرة على معرض الكتاب البيروت، وذلك من خلال نوعية الكتب التي حرص أصحاب دور النشر على ترويجها، والتي لا تساهم في تشكيل وعي لدى القارئ.

أما الندوات التي أقيمت على هامش المعرض نجدها استعانت بالمثقفين المحليين، أو من دول الجوار لتوفير التكاليف دون الأخذ بعين الاعتبار أهمية التنوع الثقافي والفكري، ودور المثقفين و الثقافات الغربية في إثراء تلك الندوات، وهذا ما يفسر قلة الحضور نسبيا في الندوات التي أقيمت هذا العام.

مع هذا، ورغم غياب بعض التنظيم والتعريف بما يحويه المعرض من مؤلفات معرفية وفكرية على الأقل، لا يمكن أن ننكر دور وأهمية معرض بيروت للكتاب كظاهرة ثقافية واجتماعية تجمع مختلف الأطياف الفكرية وتؤمن بحق الاختلاف. هذا ما لم نشاهده في أية معارض عربية أخرى.

Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top