Log-in
Search

عيناها: قصة حب إيرانية فى زمن الدكتاتورية

Posted on March 15, 2016 by Tadween Editors | 0 comments

 

إيناس المنصوري*

  
رواية "عيناها" للكاتب بزرك علوي (1904- 1997) هى أحد أهم الأعمال الروائية الإيرانية التى ترصد إيران قبل الثورة الإسلامية، وقد اشتهرت كرواية سياسية أكثر من كونها رواية عاطفية بالرغم من احتوائها على قصة حب شديدة الرومانسية. 
 
صدرت لأول مرة عام 1952، و كما صدرت ترجمة عربية ثانية لها فى العام 2014 ضمن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية، حيث قام بالترجمة الدكتور أحمد موسى، والمراجعة وكتابة تقديم للرواية الدكتورة زبيدة أشكناني المتخصصة فى الأدب الفارسي. 
 
تبدأ رواية "عيناها" للكاتب الإيراني بزرك علوي بتقديم الجو العام المهيمن على طهران وإيران في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، حيث القبضة القوية للدكتاتور رضا شاه بهلوي، مع انتشار الأمية والتخلف والفقر والفساد والقمع، إجراءات التحديث بالقوة من قبل نظام الشاه، وترسخ النفوذ الغربي فى البلد، كل ذلك مع بروز طبقة من المتعلمين والمثقفين المتأثرين بالثقافات الغربية وسعيهم من أجل ادخال الحداثة إلى إيران، وانتشال الشعب من تغلغل الخرافة والجهل والتخلف فى عقول الإيرانيين من عامة الشعب . 
 
تنساب أحداث الرواية من خلال ثلاث شخصيات رئيسية: ناظر المتحف الفني، والسيدة فرنكيس، والرسام ماكان، الذي يجسد بلوحاته أهم ماكان يمر به البلد أثناء حكم الشاه . 
 
من خبر وفاة الرسام "ماكان" فى العام 1938 م، وتزايد النقاش والاهتمام حول أبرز لوحات الرسام "ماكان" وهى اللوحة التى تحمل عنوان "عيناها" يتحرك ناظر المتحف الفني باحثا ًعن تفاصيل غير معروفة وجوانب مجهولة من حياة الرسام "ماكان" فيبدأ البحث عن المرأة الملهمة التي رسمها الفنان ، حيث يقوده البحث الى تخمين وجود امرأة تحمل اسم "فرنكيس" تزور المتحف فى الذكرى السنوية لوفاة الرسام "ماكان" . 
 
و فى الذكرى الخامسة عشر لرحيل الفنان ينجح فى لقاء السيدة ويقنعها أن تروي له سر اللوحة، وماخفي من حياة الفنان "ماكان "، وتحديدا عن الظروف التي أوصلته للحكم عليه بالنفي فى إحدى القرى الإيرانية النائية حيث قضى ماتبقى من سنوات حياته التي قام فيها برسم لوحته الشهيرة “عيناها” قبل أن يتوفي. 
 
من هذا اللقاء ينطلق السرد على لسان "فرنكيس" التى ستروي ذكرياتها مع الفنان التشكيلي “ماكان"، وهو صاحب شهرة كبيرة داخل إيران وخارجها، المناضل المهموم بالكادحين، المشغول بالقضايا السياسية والاجتماعية للوطن، أما "فرنكيس" فهى الفتاة الجميلة المنتمية لأسرة إقطاعية غنية، وحيدة والديها، مدللة، وصاحبة نزوات ورغبات متقلبة، تقودها نزوة الولع بالرسم إلى مرسم الأستاذ "ماكان" لتتعلم الرسم على يديه ، ولكن تصدمها لامبالاته وعدم وقوعه تحت تأثير جمالها، ومن خلال تلك الزيارة تكتشف أنها لاتملك أية موهبة، رغم ذلك تقرر السفر إلى فرنسا للدراسة والتعلم فى أرقى أكاديمية للفن فى أوربا، لتضعها الظروف فى طريق الطالب الإيراني اليساري"خداداد" الذي يقودها باتجاه العودة ولقاء أستاذه "ماكان" حيث تنخرط بالعمل السياسي السري رغبة فى التقرب من الفنان الكبير، وكي تكسب حبه واحترامه . 
 
ينتهي الحال بالفنان للوقوع فى قبضة شرطة "رضا شاه" أثناء تعقبها للمعارضين السياسيين ، لتقدم "فرنكيس" على تضحية كبيرة لتخفيف عقوبة الأستاذ "ماكان" من السجن المؤبد للنفي لمنطقة نائية، بزواجها من رئيس جهاز الأمن الإيراني، الذى تتركه بعد سقوط حكم الشاه رضا بهلوي ، لتعود إلى إيران بعد وفاة ماكان الرجل الوحيد الذى أحبته فى حياتها. 
  
                                               * * * 
 
يرى المختصون فى الأدب الإيراني أن أبطال رواية "عيناها" لهم وجود في الواقع، إذ يرجح كثيرون أن "ماكان" هو الفنان الإيراني محمد غفاري (1849-1940) الذي اشتهر باسم كمال الملك وهو أحد كبار الفنانين الإيرانيين، ومن رواد النهضة الفنية والفكرية فى البلد ، أما آرام فيُعتقد أنه أيرو رئيس الشرطة في عهد رضا شاه . 
 
ومن خلال هذه الرواية يكشف بزرك علوي المثقف والكاتب اليساري عن آرائه السياسية، ورؤيته للفن، دون أن يُثقل على القارىء بتلك الآراء الاشتراكية، إذ يرسم لنا صورة عن المجتمع والدولة فى إيران ماقبل الثورة الاسلامية ،ويعُرف القارىء العربي علي الصراعات بين اليسار واليمين فى إيران، عن مظاهر الفقر والأمية والتعلق الشديد بالخرافات، كما نتعرف على التناقضات فى حياة الأسر المحسوبة على الطبقة العليا في المجتمع الإيراني، وصراع العادات والتقاليد الموروثة منذ أجيال، وبين الأفكار الحديثة التى بدأت تغزو المجتمع الإيراني بعد زوال حكم الأسرة القاجارية التى أبقت إيران فى العصور الوسطي لزمن طويل، عن التحديث بالقوة الذي انتهجه الشاه رضا بلهوي بالأخص فى قضية نزع حجاب النساء الإيرانيات بقوة والتى أصبحت أحد الأسباب التى تقود للتطرف فى إجبار الإيرانيات على ارتداء الحجاب بعد انتصار الثورة الإيرانية . 
 
كما يتطرق علوي لقضية الإقطاع فى المجتمع الإيرانى والتدخلات الأجنبية فى الشؤون الداخلية للبلد، وتجذر الفساد والمحسوبية فى نظام الشاه رضا الذى لايتوانى هو شخصيا عن التلاعب بملكيات الفلاحين والأغنياء من سكان القرى للاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم . 
 
يري الكثير من المختصين فى الأدب الإيراني الحديث أن أهم عناصر رواية "عيناها" هو أنها محاكاة مشاعر المرأة العاشقة، صاحبة النزوات، والشخصية النرجسية بقلم رجل بطريقة مدهشة . 
 
                                           * * * 
 
بزرك علوي ولد فى العام 1903 لأسرة دينية لها نشاط سياسي بارز ، إذ ناصر كلٌّ من والده ووالدته الحركة الدستورية فى إيران مطلع القرن العشرين أواخر أيام حكم الأسرة القاجارية ، ولكن دراسته بأوربا فى سنوات الثلاثينات ساعدته على الاطلاع بشكل عميق علي الفكر الأوربى الحديث، والتعرف على الكتابات والأفكار الاشتراكية، وقد دخل السجن فى إيران لمدة خمس سنوات باعتباره أحد مؤسسى الحزب الشيوعي الإيراني"توده" فى سنوات الأربعينات، وقد نفي إلى الخارج فى زمن رضا بهلوي حيث توفي فى برلين فى العام 1997. 
  
و تذكر د. زبيدة أشكناني فى مقدمة الرواية أن بزرك علوي يعد اليوم أحد الأصوات الأدبية المهمة فى إيران، حيث شكل مع كل من مسعود فرزاد ومجتبى مينوي ما أُطلق عليه (عصبة الأربعة)، في مواجهة التيار الأدبي الكلاسيكي المحافظ (عصبة السبعة)، ومن ضمن أعضائه سعيد نفيسي وعباس رشيد ياسمي . 
  
*عضوهيئة تدريس بجامعة بنغازي ، ليبيا
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top