Log-in
Search

1 في نقد ظاهرة النسويّة الإسلاميّة

Posted on July 23, 2014 by Tadween Editors | 0 comments

حمّود حمّود*
محددات أولية في اصطلاح "النسوية" و" النسوية الإسلامية":
ما زال هناك صعوبة شديدة إلى الآن تواجه الباحثين والباحثات بشأن تحديد دقيق لما يعنيه اصطلاح «النسويّة Feminism»، وبخاصة في البلاد العربية والإسلاميّة. الصعوبة لا تكمن في نقل معاني المصطلح والتأريخ له في بلاد الغرب (١) والكيفية التي انتقل بها إلى بلاد العرب، بمقدار ما تكمن أولاً في تحديد الاستحقاق المعرفي له وما يترتب عليه؛ وثانياً، في إمكانية إدراج هذا الاستحقاق داخل السياق الإسلامي، المؤسَّس بنحو جوهريّ على مقتضيات «العقل القضيبي».
لا بد من الإشارة للمعاني المستبطنة داخل مصطلح "النسوية" أثناء استخدامه في هذا المقال: النسويّة ليست إيديولوجية، أو مجرد مطالب محددة لضمان حقوق المرأة...الخ، إنها فوق ذلك: فضاء معرفي علماني؛ تحاول قبل كلّ شيء إعادة موضعة لمفهوم الجندر الإنساني، وذلك بإعادة تعريف الهوية الوجودية للذكر والأنثى على حدّ سواء، وبالتالي إعادة قولبة عقلية لما استقر في الأذهان عن هوية الجندر الذكوري والأنثوي. النسويّة ليست إعادة خلق للأنثى على حساب الذكر، بل هي تهديم للهرم البطريركي المستند على اللغة، الدين، التراث، التاريخ...الخ. الهرم البطريركي بالتالي ليس هرماً دينياً فقط؛ فالدين لا يعدو كونه نتيجة لذلك البناء والمعبّر عنه؛ والأهم أنّ الدين هو الذي يشرعن مصداقية البطريركية من خلال الثيولوجيا، الفقه...الخ. إنّه نظام قوي، نظام تاريخي، وكونيّ أيضاً (لكن تختلف حدّته من ثقافة إلى أخرى). وقد أو ضح بورديو بأنّ: «قوة النظام الذكوري تكمن في كونه غني عن التبرير» (٢). 
النسويّة إضافة إلى كونها ليست اتجاهاً خاصاً بـ «الأنثى» فقط، إنها كذلك أخذ موقف من الموروث التاريخي (الديني، السياسي، الاجتماعي، الثقافي...). الموقف من الموروث، يعني بكلمة واحدة إحداث قطيعة «كلية» معه، بكل حوامله المفهومية والإيديولوجية التي أنتجت الاستحقاقات المعرفيّة والتي بُنيت على أسس بطريركيّة. ما هو مهمّ عند النسويّة إذا أرادت الدخول في معمعة التراث، أن تحاول تفكيكه، وتفكيك البنية القضيبية الحاملة له؛ أن تفكّك لماذا شخص ذكوريّ مثل الأرسوزي يقول هذا الكلام: «إنّ عقل المرأة في جمالها، وجمال الرجل في عقله» (٣)،  بمعنى أن تفكك هذا البناء العقليّ القضيبي الضارب في واقعنا إلى الآن. ومن الصحيح تماماً ما اصطلحت عليه السيدة رجاء بن سلامة في وصفها  ذلك: بـ «المركزية الثيولوجية القضيبية» التي من الواجب الكشف عنها وتعريتها.
وبالتالي، النسويّة لا تسعى لإجراء إصلاحات داخل التراث، أو أن تكتشف «ذاتها» داخل خطاب تراثي هَرِم، ولا أن تُحدِث ثورة فيه لكي تقول إنّني كنت «هناك»، وبأنني أنا كنت الفاعلة في صناعة التاريخ....إنها بكل بساطة: قطع معرفي مع حوامله البطريركية، قطع مع بنيته الذكورية التي صاغت أشكاله الإيديولوجية.....بهذه المعاني يمكن استخدام مصطلح النسويّة في هذا المقال.
عند هذه النقطة، كيف يمكن قراءة اصطلاح «النسويّة الإسلاميّة»؟
البعض من النساء الإسلاميات اللاتي يعملن في مجال قضية المرأة المسلمة، يرفضن، بسبب هذا الاستحقاق، رفضاً قاطعاً اصطلاح «النسويّة» لوصف عملهنّ بأنه معارض للشريعة الإسلاميّة؛ لكنّ إسلاميات أخريات تصدّين لهذا الاستحقاق، فأدرجن أنفسهنّ تحت يافطة ما اصطُلح عليه بـ «النسويّة الإسلاميّة Islamic Feminism».
من حيث البيئة التي خرجت منها اتجاهات النسويّة في العالم الغربي، يُعتبر الفضاء الديني المنطلق الرئيسي الذي انطلقت منه أصوات نسويّة ضد هيمنة اللغة الدينية المصاغة ذكورياً عبر التاريخ، وضد تسلّط البطريركية الكنسية؛ وإن كان هناك محاولات غربية لاحقة أثناء موجة النسوية الثانيّة لإقامة نسويّة ثيولوجية تعتمد أساساً على إعادة القراءة للكتاب المقدس واستخدام الآليات الهرمونيتيكة. (٤) لكن  كل هذا، لم يكن ليتم لولا تيارات الحداثة التي اجتاحت أوربا في عصر الأنوار؛ وهكذا لتصبح هناك حركات نسويّة عالميّة.
مصطلح النسوية الإسلاميّة هو مصطلح حديث وغربي المنشأ (٥)، لكنه مصطلح متناقض بذاته كما أكدت على هذا السيدة موغيسي، وذلك نظراً للافتراقات المفاهيمية التي يحملها كل من جزئي «النسوية» التي تحيل إلى الفضاء الدنيوي، و«الإسلاميّة» التي تحيل إلى الفضاء الثيولوجي والتشريع الديني؛ وبالتالي إنّ مجرد التقائهما يعني تلفيقاً إيديولوجياً أكثر من كونه توافقاً معرفياً أو حلاً لإشكالات المرأة وما تواجهه من تحديات معاصرة. إننا نميل أكثر في سياقنا هذا (من ناحية إجرائية وتكتيكية فقط وليس من ناحية معرفيّة) إلى تسمية من يعمل من النساء الإسلاميات ضمن مجال حقوق المرأة من وجهة نظر إسلاميّة، بـ «النسائيّة الإسلاميّة»، لأنّه في الوقت الذي يعمل فيه الباراديغم النسائي الإسلامي داخل أروقة الآلهة والشياطين والتراث، فإنّ الباراديغم النسوي العلماني يعمل وفق وبمقتضى القواعد الإبستيمية لما أسسته النسويّة الحديثة.
 مثال ذلك هدى الشعراوي، وزينب الغزالي. ربما لا يمكننا الشك بوصف هدى الشعراوي، وهي الأولى تقريباً في العالم الإسلامي التي بدأت، من بين النساء، نضالها لنيل حقوق المرأة، أنها «نسويّة». لكن هل عملها ضمن الفضاء الإسلامي، يدعونا إلى القول إنّها «إسلاميّة»؟ لن نجادل الآن في هويتها من الناحية الثقافية أنّها مسلمة أم لا، كونها ابنة هذا الفضاء (وحقيقة الجدال يطول كثيراً حول هذه النقطة)، أو أنها تعرّف نفسها هي بذلك أم لا. المشكلة ليست هنا؛ إنها في المنهج الإيديولوجي والمعرفي الذي تسير عليه وبمقتضاه هدى الشعراوي في دفاعها عن قضية المرأةالشعراوي، وبكلمة، «نسويّة» وليست «إسلاميّة» من الناحية الإيديولوجيّة. وهذا بعكس ما يذهب إليه بعض الباحثين الغربيين (٦) أنها كانت تسعى لتأسيس نسوية إسلامية.
بعد سنوات، سيبرز صوت «نسائي» آخر ، صوت دافع أيضاً عن حقوق المرأة؛ إنّها زينب الغزالي الجبيلي، المرأة الشهيرة عند «الإسلاميين»، والمنظرة الإيديولوجية للأخوات المسلمات؛ وقد قضت في معتقلات جمال عبد الناصر سنوات طويلة ونالت من التعذيب ما هو معروف عن مثل هؤلاء المستبدين العرب. زينب الغزالي، لا شك، كانت «إسلاميّة» من الطراز الثقيل، لكن، وبالرغم من دفاعها عن حقوق المرأة، هل ثمة إمكانية لاعتبارها «نسويّة»؟ ومن المعلوم أنّ زينب وقفت على أرض أصوليّة إسلاميّة صلبة، كانت تنطلق منها، وتعود إليها للدفاع عن المرأة المسلمة. لقد كانت تقوم، ومن داخل هذه الأرض الأصولية لتقول إنّ المرأة المسلمة هي حرّة، وقد نالت جميع حقوقها كما أعطاها لها الله، وقد بيّن ذلك بنحو مفصل، مبعوثه محمد. إنّ وقوف زينب الغزالي على تلك الأرض الأصولية كمنطلق لها في أدلوجاتها، هو ما يمكننا من القول بأنها «إسلاميّة»، إلا أنها ليست «نسويّة».
ورغم حداثة اصطلاح «النسويّة الإسلاميّة»، فقد ذهبت باحثات لاعتبار الرائدة الإيديولوجية الكبرى للأخوات المسلمات، زينب الغزالي، امرأة انتقلت من الفضاء النسوي العلماني إلى مجال «النسويّة الإسلاميّة»، لتؤسس بعد ذلك رابطة «السيدات المسلمات» (٧).  الأخوات المسلمات كنّ من بين الأوائل اللاتي استطعن التمهيد لأصوليّة نسائيّة بإطار إخواني ذكوري؛ بمعنى آخر: «أخوات مسلمات»...نعم! لكن فقط ضمن إطار البنية الإيديولوجية للإخوان الذكور! لقد كنّ  المسؤولات عن خلق ذلك المناخ الذي سنناقش أهم معالمه بنحو سريع، أي ما بات يعرف بـ «النسويّة الإسلاميّة». لهذا، فإنّ نقاشنا بمقدار ما هو نقاش حول الأخوات المسلمات بنحو خاص، بمقدار ما هو نقاش لـ النسويّة الإسلاميّة (= الفضاء الذهني الديني العام للأخوات).
«الأخوات المسلمات» والتأسيس لـ «نسائيّة إسلاميّة»:
لا شك، إنّ التعامل مع قضية المرأة في الفضاء الإسلامي ومن منظوره، تتعدّد معالمه وظواهره كثيراً ولا يمكن أبداً حصره، على الأقل في سياقنا. لهذا سنحصر أنفسنا بمناقشة إحدى تلك الظواهر في العالم الإسلامي، وهي ظاهرة «الأخوات المسلمات»، الوجه النسائي الآخر لـ «الإخوان المسلمين»، والمتفرّع عنه. لكن هذا التفرع لا يعني على الإطلاق أنّ قسم الأخوات المسلمات ما هو إلا مجرّد «ملحق» بقسم الإخوان الذكور. ذلك أنّ المرأة بالرغم من هامشيتها الوجودية في الهرم الذكوريّ الإسلاميّ، فإنها تحتل فيه، بسبب خطورتها، البؤرة المركزية التي يجب تركيز الاهتمام عليها. وبالطبع، ليس هذا من أجل نيل حقوقها أو ما شابه، بل من أجل المحافظة على البناء البطريركي القضيبي. فهي من جهة تمثّل شرف الإسلاميّ وعرضَه بالدرجة الأولى، لهذا وجب التصدي لكل الدعوات المغرضة التي تنادي بالتحرر وما إليه. وقد حذّر حسن البنّا، المؤسس لتنظيم الإخوان المسلمين من أهمية المرأة كبؤرة مركزية، يُعلّق عليها مستقبل الأمة بأكمله: «حذار فإن المرأة التي تُصلح الأمة بصلاحها، هي المرأة التي تجلب على الأمة الفناء والاضمحلال بفسادها»؛ وبالتالي بإمكاننا قراءة التقارب بين هوية «جسد الأمّة» ومركزيّة «جسد المرأة»: لا يمكن المحافظة على جسد الأمّة من غير الحفاظ على جسد المرأة، فإذا كُشف جسدها، يعني ظهور عورة الأمّة بكاملها. ومن جهة أخرى، تحتل المكان الأهم لـ «حراثة» الرجل الجنسية في النظام الجنسوي الذكوري الإسلامي. وقد قرر محمد، النبي العربي، بالفعل في القرآن بأنّ: «نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم» [2/ 223]. لهذا، الحفاظ على هذا «الحرث» واجب على المسلم.
 ظاهرة الأخوات المسلمات ،كما تذهب إليه هذه الورقة، كانت بدرجة كبيرة أو قليلة، وراء الظهور الحديث لما بات يعرف في العالم الغربي، أكثر من الشرقي، بـ «النسويّة الإسلاميّة». وهذه الظاهرة ليست أصوليّة بالمعنى الحرفيّ كما يذهب البعض بل هي «أصوليّة جديدة Neo-Fundamentalism» ترافق ظهور الأنماط الجديدة للأصوليات التقليدية بحلل جديدة، كما هو حال الظاهرة «الإخوانية»، التي أُتْبعت بعد خمس سنوات بنشوء الظاهرة «الأخواتيّة». إنها إعادة خلق للخطاب النسوي، ولكن بإطار تراثي يلتزم ببراديغماته الثيولوجية. إنّ المواقف الأخلاقية الدينية، ليس كما يذهب مكسيم ردونسون (٨) بأنها غير متغيرة، بما يخص تفسير الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للإسلام، بل هي دائماً متغيرة، متجددة، بحسب السياق التاريخي الذي تخضع له الأصولية (وحتى الترويج «المحدث» لظاهرة الزي الإسلامي العصري للمرأة المسلمة يدخل ضمن هذا الإطار الـ «نيو-أصوليّ»).
هدفان جوهريان سيقعان على عاتق الأخوات المسلمات:
الهدف الأول، هو التصدّي للدعوات التحررية التي بدأت لتوّها تنتشر في أوائل القرن العشرين في بلاد الشرق قادمة من الغرب، وإمكانيّة تقديم خطابات بديلة مغلّفة بحلل دينية محافظة كما سيأتي.
والهدف الثاني، تأسيس سلطات موازية لسلطة الدولة داخل الهرم الاجتماعي بوسائل كثيرة لا تبدأ بالأنشطة الدينية المجتمعية (دروس دينية نسائيّة وغيرها)، ولا تنتهي بالتشريع النسائي الأصوليّ للأصوليّة الذكورية، الأصل.

قراءة الجزء 2 هنا
 
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top