Log-in
Search

3 في نقد ظاهرة النسويّة الإسلاميّة

Posted on July 23, 2014 by Tadween Editors | 0 comments

وبسبب الصراعات السياسية التي خاضها الإخوان مع رؤوس الأنظمة السياسية التي تعاقبت على مصر (عبد الناصر، السادات، مبارك)، ضعف دور الأخوات بنحو واضح بسبب تلك الظروف. وفضلاً عن ذلك، لقد رأى الإخوان في ظل ما كانوا يشهدونه، أنه من الأفضل للمرأة المسلمة الابتعاد عن المجال العام، والاكتفاء فقط بالعمل على تربية المسلم والمسلمة تربية صالحة في البيت، وذلك خوفاً عليها وعلى شرفها وعفتها...الخ. لكن هذا لا يلغي القول أنه لم يعد يوجد أي حضور للأخوات؛ بل فقط حُصِر عملهن أكثر في أندية المساجد وغيرها.
واليوم مع حدث الربيع العربي يعود نشاط الأخوات المسلمات بنحو واضح لا لبس فيه. فبعد أكثر من ستين عاماً على تراجع دور تنظيم «الأخوات المسلمات»، عُقد بالقاهرة في الثاني من تموز (يوليو) 2011 المؤتمر الأول من نوعه لقسم الإناث في تنظيم الإخوان المسلمين (١٩)؛ ما يعني أنّ الظاهرة النسائيّة «الأخواتيّة» (مقابل الظاهرة «الإخوانيّة») بدأت تستأنف نشاطها داخل أروقة الهرم الاجتماعيّ، وبخاصة في مصر. يحدث هذا، وذلك يداً بيد مع صعود نجم الإخوان الذكور إلى سدّة السلطة لكن السؤال، على ماذا يدل هذا؟ وما هو مستقبل هذه «الأخواتيّة النسائيّة»؟
هل نجازف بالقول إنّه من ناحيّة المستقبل السياسيّ للأخوات، فإنّ مصيرهن مرتبط بمصير مستقبل الإخوان الذكور؟ لكن هذا الطرح أيضاً لا يجيب بنحو كامل على السؤالين الآنفي الذكر. ما هو مُغْفل حقيقة في أروقة الدراسات العربية التي تتناول ظاهرة الإسلام السياسيّ هو دراسة ظاهرة الأخوات بنحو جدي، ومدى السلطة الأصوليّة الكبيرة التي استطعن تأسيسها داخل المجتمع. وهذا هو مغزى قولنا إنّ هذه السلطة كانت بمثابة السلطة الموازية لسلطة الدولة، والتي كانت أشدّ منها،  وذلك في قدرتها على اللعب على الوتر الديني للمجتمع: إنها الصوت النسائي الأصوليّ الذي ابتدأ من البيت والمسجد، وانتهى الآن إلى اعتلاء قمة الهرم السياسيّ. صوت أصوليّ ابتدأ من بؤرة القاع الاجتماعي، واستطاع فعلاً تخريج أجيال نراها اليوم إمّا أنها صوتت للإسلاميين، أو خرّجت أجيالاً نراهم يعتلون سدة البرلمان. وفوق هذا، لقد أثبتت تجارب الأنظمة السياسيّة العربية في حربها مع حركات الإخوان والأخوات، أنّها لم تكن تتعدّى كلها لعبة «القط والفأرة». مرة أخرى، نتذكر قول عبد الله العروي: «إن نظام جمال عبد الناصر حارب الإسلاميين كأشخاص، كأعداء سياسيين وكمنافسين، لكنه باستثناء ربما السنة الأخيرة من حكمه، لم يحارب أبداً النظرية الإسلاميّة التي تربى عليها فكرياً وسياسياً».
هل نجد غرابة في قول سناء البنا، ابنة حسن البنا، (والتي كانت إحدى الحاضرات لمؤتمر الأخوات) وذلك في افتخارها بما حققه الإخوان والأخوات المسلمات في مصر. بملء فمها تفتخر: «عندما دبّروا لقتل حسن البنا ظنوا أنهم بذلك سيقضون على دعوته، فخرج لهم مليون حسن البنا ومليون ابن وابنة لحسن البنا ومليون حفيدة لحسن البنا» (٢٠). لا شك أن السيدة سناء لا تقول هذا الكلام جزافاً. إننا حقيقة، نرى النتائج اليوم أمام أعيننا، سواء قبلنا بها أم لم نقبل.
وهكذا، إنّه من الأخطاء المنهجية القاتلة اعتبار ظاهرة «الأخوات المسلمات» امتداداً للنسوية العالمية؛ إنها بالأحرى امتداد لنتائج فشل الإصلاح الديني، كما هو الأمر مع ظواهر الإسلام السياسيّ. لقد بتنا كثيراً ما نجد تخبطاً واضحاً في استخدام اصطلاح «النسويّة» في وصف عمل النساء المسلمات على قضية المرأة، من منظور إسلاميّلهذا بتنا نقرأ عناوين من قبيل: «النسوية والقرآن»، «الجندر والقرآن»…الخ. (٢١) وقد كان آخر الرياضات الذهنية لهذه النسوية أن وصل بها الاعتقاد، بأنّ محمداً، النبيّ العربيّ هو «قائد الثورة النسوية» (٢٢)، هذه الثورة التي تم الابتعاد عنها وخيانتها
من جانب آخر، ثمة تساؤلان مشروعان يمكن أن يطرحا في هذا السياق: حينما تصر النسوية الإسلاميّة على اكتشاف الصوت الأنثوي الحر داخل المثال الإسلامي، عن أيّ إسلام نتحدث؟ ودعك من الفروقات الجوهرية بين إسلام الطوائف من جهة، والظواهر الاختلافية بين الإسلام الآسيوي، الإفريقي، الأميركي...الخ من جهة أخرى؛ الداعمون لظاهرة النسوية الإسلاميّة لا يقدمون تفسيراً واضحاً عن «الإسلاميّة» هل هي النظام السياسي أم الفقهي أم العقائدي...؟ ولكون أنّ كلاً من النسوية من جانب، والإسلام من جانب آخر ينتميان إلى فضائين معرفيين مختلفين وأسس إبستيمية مفترقة، أيّهما سيعمل ضمن آليات وأسس الآخر ويرتهن لحقله أو فضائه المعرفي؟ النظيمة النسوية العلمانية مبنية على أسس جوهرية تناقض جوهر «ثقافة الفحل» الإسلاميّة. الإشكال في الواقع، لا يلامس فقط موضوع الاصطلاح بمقدار ما يتعلق بالاستحقاقات الإبستمولوجية المترتبة على ذلك، بمعنى آخر لا تستطيع النسوية الإسلاميّة فعل أي شيء فيما يخص البناء الثيولوجي القضيبي المبني على أساسه نظام الإسلام، وقد رأينا ذلك في الأخوات المسلمات.
بالطبع، تستطيع هذه النسوية إحداث ترقيعات هنا  وأخرى هناك (يسمونها «التجديد») على مجال الفقه والتشريع، إلا أنه لا يمكن بأي حال اختراق شبكة الدوال المفاهيمية المعقدة، أو الباراديغم الذكوري، بدءاً من «ضرورة» ذكورة الآلهة وانتهاء بـ «واجب» ذكورة النبي وما يستتبع هذا من استحقاقات على الاجتماع والسياسة...الخ. حدود هذه النسوية العمل فقط ضمن الفضاء الإسلامي المسقوف بـ «هيكل ذكوري»، ومهما بلغت درجة حرية هذا الفضاء؛ وهذا ما يؤدي إلى قلب كل معاني واستحقاقات المفاهيم المتعلقة بخطاب المرأة. هكذا، من منظور إسلامي سيعاد موضعة مفهوم الحرية، المساواة الجندرية...الخ؛ كما هو الأمر في إعادة تعريف الحرية بما يخص ارتداء الحجاب، بكونه «حرية فردية» (!!). ولنأخذ مثلاً موضوع القوامة، -دعك من القوانين الفقهية المتعلقة بشهادة امرأتين مقابل رجل، ومسألة الميراث...الخ (هذه لا تعدو كونها نتائج لذلك النظام القضيبي)-، القرآن يقرّر بأنّ الرجال هم القوّامون على النساء [4/ 34]، وبأنّ للرجال على النساء درجة [2/ 228]. إننا هنا لا نواجه بأحكام فقهية بإمكاننا ترقيعها، بل نواجه بـ بنية نظام ثيولوجي متكامل، العنصر المكون فيه هو «الذكورة». تقول النسوية الإسلاميّة إنّ التراث بريء من القراءات البطريركية للتراث والقرآن المحمدي؛ لهذا لطالما تحاول ترقيع نص هنا وآخر هناك؛ إلا أنها لا تستطيع على الإطلاق الاقتراب من أسس البنية القضيبية المؤسسة لثقافة الفحل، أي الإطار البنيوي الصلب الحامل للباراديغم الإسلامي.
خاتمة:
ما هو الأخطر في الواقع على مصير النسويّة العربية، هو قلب المفاهيم نفسها وتشريعها، وتحويل المهمات التي يجب أن تضطلع بها في الدفاع عن المساواة الجندرية، إلى مجرد تبييض صورة الشعارات التي ترفعها الأصوليات النسائيّة. لقد كانت إحدى مهامّ الأخوات المسلمات في التاريخ العربي الحديث هو الدعوة التبشيرية بأقصى ما يمكن بما يبشر به الإخوان المسلمون. لكن ما هي مهامهم اليوم و«إخوانهم الذكور» في مقاليد السلطة؟ لا شك المهام ستتضاعف.
ولنتذكر أنّ من يُدعين بـ «النسويات الإسلاميات» الإيرانيات، ولاقين استحساناً في العالم الغربي، قد بدأن نشوئهن في إيران (التي تعتبر الآن معقل «النسويّة الإسلاميّة») مع تبلور الأصولية الذكورية للخميني بتكريسه أدلوجة ولاية الفقيه. ليس من مهمة هؤلاء النسوة المناداة بحقوق المرأة من وجهة نظر إسلاميّة فقط، بل الدفاع عن النظام السياسي القائم؛ وكل ما تتفوه به أدلوجة الفقيه هو خير وحرية بالنسبة للمرأة. لقد غدت حريّة المرأة الإيرانيّة بعد ثورة 1979، مفصّلةً وفقاً لمقاس الأدلوجة التي رسمها الخميني وخلفاؤه الملالي؛ وغدا الدفاع عن «الجندر» الأنثويّ، مرهوناً حتماً بأوالية تكريس «سلطة» «الجندر» الذكوريّ.
ربما يعيش اليوم الواقع العربي مرحلة سياسية انتقالية، إلا أنّه بدون ثورة مفاهيمية ثقافية تضرب في عمق جذور الموروث العربي، فإننا سنبقى ندور في نفس دائرة «الاستثناء العربي»، في نفس دائرة الآلهة والشياطين والتراث.
لم يكن القصد من نقد ظاهرة النسوية الإسلامية والأخوات المسلمات هو التشنيع بمطالب الحرية التي تسعى إليها نساء إسلاميات، ولا منعهن، كما ادعت مارغوت بدران، من النضال في سبيل تحقيق المساواة والعدالة؛ لقد كان المقصد أساساً هو إعادة النظر بالمنهج الإيديولوجي والمعرفي الذي تسلكه هؤلاء الإسلاميات؛ وقد ضربنا على ذلك مثالاً، هو ظاهرة الأخوات المسلمات، اللواتي لم يقتصر دورهن على تشويه التراث وحقوق المرأة فقط، بل إعادة خلق المناخ الأصوليّ في المجتمع. وفي الحقيقة، ثمة قلق كبير، في ظل ما تمر به البلاد العربية لتكرار سيناريوهات «أسْلمة» المرأة وقضيتها، تحت حجج بهلوانية تتعلق بالخصوصية والاستثنائية. إنّ الاستثناء في الواقع هو أنْ تبقى النساء المسلمات في هذه الوضعية الستاتيكية المستثناة. ليست المسألة المهمة أن يتحدّث قادة الإخوان المسلمين في مصر، عن فاعليّة دور المرأة المسلمة في الربيع العربيّ والثورة المصريّة (كما جاء على لسان محمد بديع المرشد العام للجماعة في مصر، والذي حضر المؤتمر)، بمقدار الرهان على تغيير بنية الخطاب البطريركيّ الذكوريّ الذي يحتكم إليه باراديغم الحركات الإسلاميّة المسيّسة. وحتى مرجعيّة القرار في جماعة الإخوان، ما زالت إلى الآن تتم ضمن إطار الذكوريّة الإخوانيّة. لا بل حتى شرعيّة وجود الأخوات المسلمات أنفسهنّ، لا تتحقق إلا من خلال الإقرار بشرعيّة الإخوان الذكور، وشرعيّة «المرشد الأعلى». ويذكر، أنّ الأخوات ما زلن يشتكين من عدم تمثيلهن بمكتب الإرشاد للجماعة (دعك من إمكانية ترأس «أخت» للجماعة).
لهذا، إذا كان ثمة من رهان على الأخوات المسلمات لأنْ يصنعوه، فهو إمكانية الانقلاب التاريخي ليس فقط على الإطار الذكوري للإخوان، بل الانقلاب على البنية البطركية-البعليّة كلها، بكل ما تحمله من مفاهيم وقواعد إبستيمية، أسّست لثقافة ما زال يعاني منها إلى الآن طرفا النوع الإنساني (الذكر/ الأنثى)، هي «ثقافة البعل».
الرهان هو على إعادة بناء هويّة جندريّة منفتحة، مؤسسة على أرضية «مساواتيّة» في عمق هويّة الوجود الإنسانيّ (وليس مجرد مساواة في الحقوق فقط). وهذا هو مغزى النسويّة التحرّريّة. وإلا سنبقى ندور في عمق بنية «العقل القضيبي».
* كاتب سوري
دمشق
الهوامش
(١) أول من استخدم مصطلح Feministe   هي الفرنسية Hubertine Auclert سنة 1882، انظر:
Badran, Margot, Feminists, Islam, And Nation Gender And The Making Of Modern Egypt, Princeton University Press,  1995, P.72. ويشار أنه لم يبدأ هذا الاصطلاح في البلاد العربية إلا في أوائل العشرينات من القرن الماضي.
(٢) منقول عن رجاء بن سلامة، بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث، دار بترا للنشر والتوزيع، ط1، 2005، ص75 .
(٣) منقول عن رجاء بن سلامة مرجع سابق، الأرسوزي، الأمة والأسرة، ص310 .
(٤) D. Sawyer, Feminism, in, John F. A. Sawyer's  Concise Encyclopedia Of Language and Religion, Elsevier Science Ltd, 2001, p. 248.
(٥) Moghissi, Hiadeh, Feminism and Islamic Fundamentalism The Limits of Postmodern Analysis, Zed Books Ltd, 1999, p.126.
(٦) Walters, Margaret, Feminism A Very Short Introduction, Oxford University Press,  2005, 127.
(٧) Shehadeh,  Lamia, The Idea of Women in Fundamentalist Islam, University Press of Florida, 2003, p. 139.
(٨) Moghissi, Hiadeh,  Feminism and Islamic Fundamentalism The Limits of Postmodern Analysis, Zed Books Ltd, 1999, p.140.
(٩) تسلسل رئاسة قسم الأخوات بعد لبية أحمد: آمال العشماوي، ونعيمة الهضيبي، وفاطمة عبد الهادي، وزينب الغزالي.
(١٠) Shehadeh, Lamia, The Idea of Women in Fundamentalist Islam, University Press of Florida, 2003, p. 18.
 (١١) انظر موقع الرسالة:  http:\\www.ikhwaniki.com\images
(١٢) الجوهري، ضمن "الرسالة الأولى" للأخوات المسلمات: الإخوان المسلمون، قسم الأخوات المسلمات، القاهرة مطبعة دار الكتاب العربي، 1953، ص12.
(١٣) Baron, Beth,  Egypt as a Woman Nationalism, Gender, and Politics, University Of California Press, 2005, p.210 .
(١٤) أصدر محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء المصري في سنة 1948، قراراً بحل جماعة الإخوان المسلمين تحت حجة "التحريض والعمل ضد أمن الدولة". وقد ردّ الإخوان على ذلك باغتيال النقراشي نفسه على يد أحد الطلاب الإخوان يدعى عبد المجيد حسن، ثم قام البوليس السري للنظام السياسي بعد ذلك بالرد على اغتيال النقراشي، وذلك باغتيال حسن البنا، مؤسس جماعة التنظيم في سنة 1949.
(١٥) Shehadeh,  Lamia, The Idea of Women in Fundamentalist Islam, University Press of Florida, 2003, p. 122.
(١٦) تميّز هذا العهد السياسي للإخوات والأخوان معاً بأنه من أشد المراحل التاريخية سخونة في الصراع مع النظام السياسي القائم حينها، نظام جمال عبد الناصر. ومما يذكره الإخوان أنّ عبد الناصر أعلن من قصر الكرملن في موسكو اعتقال ما سبق أن اعتقلهم سابقاً. فوصل عدد المعتقلات من الأخوات ما يقرب 200 امرأة. ومنهن من عذبن بنحو شديد، ومنهن من قتلن داخل السجن. من الأخوات المسلمات اللاتي سجنّ: زينب الغزالي، وحميدة قطب، وعلية الهضيبي وخالدة الهضيبيالخ
(17)Badran, Margot, Islamic feminism: what's in a name? on,  http: // weekly .ahram .org .eg /2002/569 /cu1.htm  
(١٨) Cooke, Miriam, Women Claim Islam, Creating Islamic Feminism through Literature , Routledge, 2001, P. pp.89-90.
(١٩) انظر:
http://thedailynewsegypt.com/egypt/muslim-sisterhood-holds-first-conference-in-60-years.html
(٢٠)انظر الحوار معها على الرابط التالي:
http://www.elbehira.net/elbehira/nd_shnws.php?shart=14708
(٢١) Badran, Margot, Feminism and the Quran, in Jane Dammen McAuliffe, The Encyclopedia Of The Quran, Vol. 2, pp. 199-203.  
(٢٢) Cooke, Miriam, Women Claim Islam, Creating Islamic Feminism through Literature, Routledge, 2001, P. xxvi .
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top