Log-in
Search

كتاب الأوديسة الجديدة حكاية أزمة اللاجئين في القرن الواحد والعشرين

Posted on July 15, 2019 by Tadween Editors | 0 comments

 

أكرم قطريب

 

لا تزال منطقتا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفرضان تحديات هائلة، مع حالات طوارىء متعددة ومعقدة على نطاق غير مسبوق . كما أن الوضع الإنساني في سوريا يواصل التدهور وبعد أكثر من ثماني سنوات يقترب الرقم الإجمالي لعدد اللاجئين إلى ما يزيد على ستة ملايين لاجىء. وفي أماكن أخرى مثل العراق واليمن وليبيا يتسبب العنف وعدم الاستقرار بموجات جديدة من النزوح ، وهناك عشرات الآلاف من الأشخاص الذين مازالوا يحاولون الوصول إلى أوربا التي يتفق الجميع على أنها بحاجة إلى إصلاح عاجل لقواعد اللجوء والهجرة .

في الوقت الحالي تتحمل إسبانيا وإيطاليا واليونان معظم الضغط بسبب موقعهم الجغرافي على البحر المتوسط، وبموجب قانون الإتحاد الأوربي فإنه يجب على طالبي اللجوء تقديم طلباتهم في أول دولة أوربية يدخلونها. بعض هذه الدول تريد تشديد الرقابة على الحدود مثل المجر وبولندا وباشرتا بذلك.

ومع تصاعد المشاعر المناهضة للهجرة عبر القارة  شن حزب الرابطة اليمينية المتطرف حملة تعهد فيها بإرجاع ما يقارب خمسين ألف لاجىء إلى أوطانهم، وهذا الأمر أصبح محسوساً بشكل دقيق، وهذا ما يفعله حزب الحرية الشعبوي في النمسا.

وبموجب سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها أنجيلا ميركل فقد رحبت ألمانيا في عام 2015 بأكثر من مليون لاجىء . أما حزب البديل الألماني اليميني فقد وضع برنامج الهجرة على رأس جدول أعماله السياسية .

كما اختفت حالياً سفن المنظمات غير الحكومية من طرق الهجرة الرئيسية إلى إيطاليا، وتهرّب معظم الزعماء الأوربيين من أي اتفاق رسمي بشأن قضية اللاجئين .

إن مستقبل الإتحاد الأوربي ، تقول ميركل ، يعتمد على إيجاد إجابات حول الأسئلة الحيوية التي تطرحها الهجرة ، منها: مسألة استقبال اللاجئين، وإنشاء مراكز لتقييم طلبات اللجوء مع المحاولة والسعي لبناء منصات المعالجة الإقليمية في كل من الجزائر ومصر وسوريا وليبيا والنيجر وتونس. وحتى الآن لم توافق أي من دول الاتحاد الأوربي على المساعدة . وفي الوقت نفسه يقود رئيس وزراء المجر فيكتور لوبان حملة يدعو فيها إلى إقامة حدود قوية لوقف هذا "الغزو" . في هذا السياق تتوضح أهمية كتاب الأوديسة الجديدة الصادر حديثاً في أميركا وبريطانيا باللغة الإنجليزية عن دار دبليو. دبليو نورتون، وهو من تأليف باتريك كينغسلي وهو صحافي بريطاني ومراسل دولي يعمل الآن لجريدة نيويورك تايمز، قسم برلين.

 كينغسلي الحاصل على جائزة الصحافة البريطانية في الشؤون الخارجية لعام 2015 وضع نفسه وسط هذا الإعصار في كتابه "الأوديسة الجديدة"، الذي يغطي مساحة جغرافية لا يستهان بها وبأسلوب شاهد العيان يدوّن تفاصيل العائلات والأشخاص الذين التقى بهم وشاركهم هذا الرحيل المأساوي . يفتتح كتابه  بقصة اللاجىء السوري هاشم السوقي و عائلته، وهي قصة شائعة بشكل مأساوي، حيث يواصل الضحايا اليائسون من بلدانهم القيام برحلات مميتة بحثاً عن الحرية . كما يسلط الكتاب الضوء على شبكات التهريب الغامضة التي سهّلت أكبر هجرة جماعية عبر أوربا، وسيضع نفسه جنباً إلى جنب مع اللاجئين في ظروف مختلفة من الشظف وظروف الطقس والعواصف مع أطفالهم المربوطين على ظهورهم خوفاً من المجرمين وتجارالبشر الذين يتجاهلون بشكل خطير الحدود الفاصلة بين ما هو إنساني وغير إنساني.

يقدم لنا تجربته الشخصية في مسألة بالغة التعقيد وهي هجرة ولجوء عائلات بأكملها هرباً من الحرب والقمع والصراعات المفتوحة على مصراعيها، وما يتبعه من الحصار والعنف الطائفي الذي اتخذ أبعاداً خطيرة جداً . يرسم المؤلف الطرق التي يتبعها اللاجئون من سورية والعراق وليبيا وأرتيريا ونيجيريا ومصر وتركيا ثم إلى اليونان وإيطاليا وكرواتيا وصربيا والمجر والسويد وألمانيا . ولم يكن السوريون لوحدهم في هذا العبور الأسطوري نحو الشمال . فقد احتشد لاجئون من بلدان مختلفة في قوارب مطاطية صغيرة اجتازوا فيها البحر المتوسط، ومن ثم مشياً على أقدامهم وعلى طول مسارات السكك الحديدية عبر أوربة الشرقية.

من المؤكد أن ما حدث على الحدود الجنوبية لأوربا يحتوي على نسب ملحمية مليئة بالأبطال والوحوش، لكن أوديسيوس تحدى الوحوش حتى وجد طريق عودته إلى المنزل، وفي النهاية قام بذلك. أما المهاجرون، كما يقول باتريك،  فقد فروا من بلدانهم ليُحرموا في أكثر الأحيان من فرص العيش، إنها ليست فكرة أسطورية، بل جريمة، وما من إيثاكا تلوح في الأفق.

المزيد من القوارب ، يعني المزيد من المهاجرين المعدمين الذين يصلون إلى ليسبوس وكوس ولامبيدوسا والمزيد من حطام السفن والقوارب والخسائر البشرية .

تم تعيين باتريك كينغسلي من قبل صحيفة الغارديان البريطانية ليكون "مراسل الهجرة". رصد في النيجر كيف قام المهربون بشحن المهاجرين عبر الصحراء إلى حدود المتوسط. وأجرى مقابلات معهم هناك، ومن ثم أبحر في سفينة تجارية مستأجرة من قبل فريق "أطباء بلا حدود" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وزار مقر خفر السواحل الإيطالي الذي دعم برنامجاً للبحث والإنقاذ كان ناجحاً جداً، يحمل اسم "ماري نوستروم" . وكتب عن مفهوم اقتصاد الهجرة ومصطلحات السفر والطريق الشائكة، والفرق بين استخدامات قوارب الصيد والقوارب المطاطية، أو رشوة شرطي على حدود النيجر، أو وكيل جمارك في مصر، أو شراء سترة نجاة في إزمير. بذل قصارى جهده لالتقاط اللحظات الهاربة لأناس حقيقيين يمكنك التعرف عليهم .  كتب، مثلاً، عن امرأة سورية اسمها حنان وهي من طبقة فوق متوسطة مع أربعة أبناء حاصلين على شهادات جامعية، وكان لديها خادمة منزلية، وحين بدأت الانفجارات تشتعل قرب بيتها في دمشق كان من المستحيل البقاء، فدفعت مبلغاً قدره 32000 دولار إلى المهربين كي يبحروا بها مع أولادها إلى اليونان، ثم دفعت ستة آلاف دولار مقابل تهريب اثنين من أولادها بنفس الطريقة على متن شاحنة نقل إلى النمسا، كما دفعت مبلغاً قدره 1500 دولار ثمن أوراق مزورة للحاق بأبنائها. وبعد أربع سنوات على الفرار من سوريا لا تزال الأسرة مفككة ومبعثرة .

يفكك المؤلف كل ما هو خاطىء في مقاربة العالم والمجتمع الدولي لأزمة اللاجئين، كما يقدم أفكاراً بناءة لعلاج هذه الكارثة في إطار واقعي. وسنلحظ خط سير المعاناة في هذا الكتاب والمحاولات البطولية لأشخاص يائسين يخاطرون بحياتهم بينما العالم لا يستجيب بطريقة كافية. إنها نماذج كلاسيكية من البشر الذين هم خليط من الأبطال والأشرار في آن معاً، والهزيمة هنا غالباً ما تعني الموت . سافر الكاتب إلى 17 دولة، عبر قارات ثلاث مع أشخاص وأفراد دوّن معظم قصصهم أيضاً. ومن إحصائيات الكتاب، على سبيل المثال، أنه في الفترة التي تمتد بين 2014 و 2016 عبر ما يقرب عن 1،5 مليون شخص البحر المتوسط في قوارب مطاطية . وفي العام 2015 غادر تركيا أكثر من 850000 لاجىء باتجاه أوربا ، معظمهم ساروا شمالاً باتجاه البلقان . وفي تلك السنة وصلت أزمة اللاجئين إلى ذروتها إذ غرق ما يقارب 4000 لاجئ أثناء عبورهم لبحر إيجة، ثم وجدت بلدان مثل اليونان وإيطاليا والمجر نفسها غير قادرة على تجاوز المشكلة .

يبين الكتاب أنه من المستحيل إغلاق حدود أوربا تماماً، وسوف يستمر الناس بالمجيء، والنهج الأوربي الحالي في الهجرة لا يفيد أحداً، والأزمة لا يمكن تجنبها، وقبول هذه الحقيقة هو مفتاح الحل لإدارة الأزمة .

يتحدث الكتاب أيضاً عن هاشم السوقي الذي بعث بعد وصوله إلى السويد رسالة أخبر فيها باتريك كينغسلي أنه اتخذ القرار الصحيح بمغادرة البلاد لإنقاذ أطفاله، فالخيار الوحيد الذي كان أمامه هو الرحيل، وتابع في الرسالة : "لقد تحولت سوريا إلى جحيم كان من المستحيل العيش فيه، عليك الانتقال من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان، و الحياة السورية آيلة إلى الانهيار بأكملها، وأصبحت المخاطر بحجمها الهائل تحاصرك من جميع الجوانب. حاولنا إنقاذ أنفسنا من أن نكون بلا مأوى أو في السجن، على الرغم من آلام وصدمات عبور البحر في قوارب قديمة، وعلى الرغم من صعوبة التكيف مع عادات وثقافة البلد الجديد. لقد تعلمتُ أشياء كثيرة: أن أتكلم بحرية حُرمنا منها طيلة أربعين سنة، وأنك تصادف في طريقك دائماً بشراً يمنحونك الأمل والعزم . "

إن كتاب الأوديسة الجديدة ملىء بالتفاصيل والقصص المروعة التي تصور للقارئ الغربي مأساة اللاجئين الوافدين إلى أوربا وهو بأسلوبه الاستقصائي والميداني مثير للإعجاب ومروع وشهادة حارة في التعاطف وتجربة مهمة في الكتابة من الخطوط الأمامية .

 

 

 

Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top